أتمنى أن يختفي من يتاجرون بالدين ويثيرون الفتنة بكلماتهم السوداء وآرائهم الغريبة، هؤلاء الذين يخرجون علينا بوجوه متجهمة ويتحدثون بأحاديث مبتورة، لا يسيئون فقط للمسيحيين بل يجرحون المسلمين في قيمهم وصورتهم الحقيقية.
هؤلاء الأشخاص لا يسعون للخير، بل يفضلون إشعال الحرائق ويعتبرون الفوضى هدفًا لهم، وما يطلقون عليه «فتاوى» ليس إلا خطابًا خاليًا من العقل، يزرع الكراهية ويربك النفوس، ويستغلون البسطاء لتمرير أفكارهم المسمومة.
من يحرمون الاحتفال بأعياد الميلاد يجب ألا نعطيهم قيمة، فالعلماء الحقيقيون أكدوا أن تهنئة الآخرين بالمناسبات الدينية هي خلق إنساني وجسر للمحبة وتعزيز لمفهوم المواطنة.
أنا هنا كمواطن مصري، حيث يتجاور صوت المآذن مع أجراس الكنائس بلا صراع أو خوف، تعلمنا أن الجار لا يُسأل عن ديانته بل عن معدنه، وأن الوطن يتسع لنا جميعًا دون حواجز.
يؤلمني أن يظهر هذا الجدل من حين لآخر، من متطرفين يسيئون إلى دينهم ووطنهم، فنحن أبناء أرض واحدة، نرفع أيدينا إلى الله بطرق مختلفة، وبيوت الله، سواء كانت مساجد أو كنائس، تستحق الاحترام لأنها تدعو للسلام وتزرع الطمأنينة.
العلاقة مع شركاء الوطن ليست ترفًا، بل هي خط دفاع أول عن البلد، ومن يعبث بها يعبث بالأمن القومي ويعرض مستقبل الأجيال للخطر، فالوحدة ليست مجرد شعار سياسي، بل هي سلاح المصريين عبر التاريخ.
عشنا أوقاتًا صعبة بعد ٢٠١١ حين حاولت قوى الظلام تمزيق النسيج الوطني، لكن المصريين لم يتراجعوا، ووقف المسلمون يحرسون الكنائس، والمسيحيون يساندون إخوانهم المسلمين، وجاء صوت العلماء ليؤكد أن الاعتداء على كنيسة هو اعتداء على مسجد.
في ذروة العنف، أدرك الجميع أن رصاص التطرف لا يفرق بين أحد، والهدف كان الوطن بأسره، واتحد المصريون مسلمين ومسيحيين تحت هوية مصر، التي كانت دائمًا أكبر من محاولات الشقاق، وهذا هو الرصيد الذهبي الذي رسخته الدولة المصرية.
التطرف بأي شكل كان يشوه الأديان ويدمر ما بناه الناس بعرقهم وصبرهم، ومن يزرع الكراهية لا ينتمي لدين ولا يعرف وطنًا، ومع كل عيد نثبت للعالم أننا نعيش في وئام، فليقل المتشددون ما يشاءون، فالمحبة في أرضنا ليست مجرد شعار، بل هي العهد الذي نلتزم به كل صباح، وهي الركيزة التي لن تسقط ما دام فينا قلب ينبض بالانتماء لهذا الوطن.

