شهدت السياسة النقدية في مصر تحولًا كبيرًا خلال عام 2025، حيث عادت أسعار الفائدة لتتغير بعد فترة طويلة من التشديد الذي استهدف مواجهة التضخم والضغوط الاقتصادية المتعددة.
بحلول نهاية 2025، أصبح واضحًا أن العام كان عام التيسير النقدي، حيث بدأ البنك المركزي المصري في خفض أسعار الفائدة بشكل تدريجي، مما أظهر تحسنًا في بعض المؤشرات الاقتصادية وتراجع الضغوط التضخمية، مع رغبة واضحة في تحفيز النمو والاستثمار.
ذروة الفائدة في مصر
عند بداية عام 2025، كانت أسعار الفائدة في مصر عند أعلى مستوياتها التاريخية، حيث سجلت في اجتماع فبراير 27.25% للإيداع و28.25% للإقراض، بعد دورة تشديد استمرت لأكثر من عامين، رفع خلالها البنك المركزي الفائدة بنحو 1900 نقطة أساس، في إطار مواجهة التضخم الذي بلغ ذروته في 2023 بأكثر من 39%.
ومع تراجع معدلات التضخم تدريجيًا، وتحسن سوق الصرف، بدأت تظهر مؤشرات تعافٍ في بعض القطاعات، مما جعل من الممكن الانتقال من سياسة كبح الطلب إلى تحفيز النشاط.
أول خفض للفائدة منذ 53 شهرًا
كان اجتماع لجنة السياسة النقدية في أبريل 2025 نقطة تحول، حيث قررت خفض أسعار الفائدة بنسبة 2.25% دفعة واحدة، لتصل إلى 25% للإيداع و26% للإقراض، وهو أول خفض للفائدة منذ نوفمبر 2020، ما يعكس ثقة متزايدة في قدرة الاقتصاد على التعامل مع الصدمات السابقة.
هذا القرار جاء مدعومًا بتراجع التضخم وتحسن توقعات الأسواق، بالإضافة إلى الحاجة لتخفيف عبء تكلفة التمويل عن الشركات والقطاع الصناعي الذي عانى لفترة طويلة من ارتفاع أسعار الاقتراض.

سياسة نقدية حذرة
لم تتوقف دورة التيسير عند أبريل، بل واصلت لجنة السياسة النقدية نهجها في اجتماع مايو، حيث خفضت الفائدة بنسبة 1%، لتسجل 24% للإيداع و25% للإقراض، ومع هذا الخفض، فضّل المركزي التريث في اجتماع يوليو، حيث قرر تثبيت أسعار الفائدة عند نفس المستويات.
كان هذا التثبيت بهدف منح الأسواق فرصة لقياس أثر التخفيضات السابقة على معدلات التضخم وسوق الائتمان، في ظل التحديات العالمية وعدم اليقين المرتبط بالاقتصاد الدولي وأسعار الطاقة.
تسارع وتيرة التيسير
مع دخول النصف الثاني من 2025، بدت الصورة أكثر وضوحًا، حيث أظهرت البيانات استمرار تراجع التضخم وتحسن تدفقات الاستثمار، واستقرار أكبر في سوق النقد الأجنبي، وعلى هذا الأساس، قرر البنك المركزي في اجتماع أغسطس خفض أسعار الفائدة بنسبة 2% إضافية، لتصل إلى 22% للإيداع و23% للإقراض.
وفي أكتوبر، أضاف المركزي خفضًا جديدًا قدره 1%، لتسجل الفائدة 21% للإيداع و22% للإقراض، قبل أن يتم تثبيتها في نوفمبر، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على التوازن بين دعم النمو ومنع عودة الضغوط التضخمية.
اختتم البنك المركزي عام 2025 بقرار خفض أخير في ديسمبر بنسبة 1%، لتستقر أسعار الفائدة عند 20% للإيداع و21% للإقراض، وبذلك بلغ إجمالي الخفض في أسعار الفائدة خلال العام نحو 7.25%، في واحدة من أسرع دورات التيسير النقدي التي شهدها الاقتصاد المصري منذ سنوات.

من التشديد إلى التيسير
لفهم ما حدث في 2025، يجب العودة إلى جذور الأزمة، فمنذ مارس 2022، دخل البنك المركزي في دورة تشديد غير مسبوقة، حيث رفع أسعار الفائدة بنحو 1900 نقطة أساس، في محاولة للسيطرة على موجة تضخم عالمية تأثرت بتداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
خلال تلك الفترة، واجهت مصر تحديات كبيرة، أبرزها خروج استثمارات أجنبية غير مباشرة تُقدر بنحو 22 مليار دولار، ما تسبب في ضغط شديد على الاحتياطيات الأجنبية، وخلق أزمة سيولة أثرت على أسعار السلع والخدمات.
معركة التضخم منذ 2016
منذ إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016، خاض المركزي المصري صراعًا طويلًا مع التضخم، حيث قفزت معدلات التضخم إلى 35.2% في يوليو 2017، وهو أعلى مستوى تاريخي آنذاك، لكن السياسة النقدية المشددة وإجراءات ضبط الأسواق نجحت في خفض التضخم تدريجيًا إلى أقل من 5% بحلول فبراير 2020.
لكن تلك النجاحات لم تدم طويلاً، إذ عادت الضغوط التضخمية للظهور مع بداية 2021 بسبب اختناقات سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع الطلب، ثم تفاقمت الأزمة مع اندلاع الحرب في أوكرانيا مطلع 2022.
خفض قيمة العملة
تزامن التشديد النقدي مع سلسلة من تخفيضات قيمة الجنيه، حيث فقدت العملة المحلية أكثر من 192% من قيمتها على مدى عامين، بدأ ذلك في مارس 2022، وتكرر في أكتوبر من نفس العام، ثم في يناير 2023، وأخيرًا في مارس 2024، ليصل سعر الدولار إلى نحو 48 جنيهًا في المتوسط.
رغم قسوة هذه التخفيضات، كانت جزءًا من حزمة إصلاحات أكبر تهدف إلى استعادة التوازن في سوق الصرف، وجذب تدفقات نقدية جديدة، مما مهد لاحقًا لبدء دورة التيسير النقدي في 2025.
دلالات عام التيسير النقدي
تقول الخبيرة المصرفية سهر الدماطي إن مسار أسعار الفائدة خلال 2025 يعكس نجاح البنك المركزي في الانتقال من مرحلة إدارة الأزمة إلى مرحلة تحفيز النمو، حيث يعتبر خفض تكلفة الاقتراض خطوة مهمة لدعم الاستثمار وتنشيط القطاع الخاص وتحريك عجلة الإنتاج، دون التفريط في استقرار الأسعار أو جاذبية العملة المحلية.
وأضافت الدماطي أن التحدي الأكبر هو الحفاظ على هذا التوازن الدقيق، مما يجعل عام 2025 علامة فارقة في مسار السياسة النقدية المصرية، حيث بدأت البلاد جني ثمار سنوات طويلة من التشديد والإصلاح، والانطلاق نحو مرحلة أكثر مرونة ودعمًا للنشاط الاقتصادي.
كما أشارت إلى أن المركزي سيواصل التيسير النقدي خلال 2026، في ظل تحسن المؤشرات الاقتصادية وتوفر السيولة الدولارية، مما يدعم موقف البنك في تحفيز النمو الاقتصادي.

