رحل المخرج داوود عبد السيد عن عالمنا، تاركًا وراءه إرثًا سينمائيًا عميقًا، فقد كانت كاميراته ليست مجرد أداة تصوير، بل كانت نافذة على عالم النفس البشرية وقصائد بصرية تعكس حياة المهمشين والحالمين.

على الرغم من أن مسيرته الفنية استمرت لأكثر من 40 عامًا، إلا أن داوود لم يقدم سوى تسعة أفلام روائية طويلة، ومع ذلك، كل فيلم كان له تأثير كبير أعاد تشكيل الفن في مصر والعالم العربي.

“الكيت كات”

في فيلم “الكيت كات” (1991)، لم يروِ فقط قصة الشيخ حسني، بل قدم رؤية عميقة حول البصيرة وكيف يمكن للإنسان أن يرى العالم من خلال قلبه وخياله، حتى في اللحظات التي تخونه فيها عيناه.

“فلسفة المهمشين”

كان داوود جزءًا من جيل “الواقعية الجديدة”، لكنه تميز بأسلوب فلسفي خاص، فلم تكن السينما بالنسبة له مجرد تصوير للواقع، بل كانت استكشافًا دائمًا لأسئلة الوجود.

في فيلم “أرض الخوف”، طرح أسئلة عميقة حول الهوية والرسالة، من خلال رحلة ضابط يدخل عالم تجارة المخدرات ويبدأ في فقدان صلته بماضيه.

المثقف خلف الكاميرا

تأثر داوود بعمله كمساعد لعمالقة مثل يوسف شاهين، لكنه سرعان ما تمرد على الأنماط السائدة، وكتب أفلامه بنفسه، وصاغ حواراته بعناية، واستطاع أن يحول شخصيات بسيطة مثل “الهلفوت” و”المخبر” و”الحرامي” إلى نماذج إنسانية معقدة تعبر عن صراع الإنسان مع السلطة ورغباته وقدره.

اعتزال “عزة النفس”

في السنوات الأخيرة، اتخذ داوود قرارًا مؤلمًا بالاعتزال، ليس لأنه فقد القدرة، بل لأنه لم يرغب في الاستسلام لقوانين سوق سينمائي أصبح يهتم بالاستهلاك أكثر من الإبداع، وظل مخلصًا لمبادئه حتى اللحظة الأخيرة، مفضلًا الصمت على تقديم فن لا يعبر عنه.