رحل المخرج داود عبد السيد، ولم يكن خبر وفاته عاديًا بل كان بمثابة صدمة لكل محبي السينما والفن، رحيله يعني فقدان عقل سينمائي مميز كان يؤمن بأن الأفلام ليست مجرد قصص تُروى، بل هي أعمال تثير الفكر وتترك أثرًا في النفس حتى بعد انتهاء العرض. كان يرى أن السينما يجب أن تجعل المشاهد يواجه نفسه، ويكتشف ما يتجنبه، وترك وراءه إرثًا فنيًا يُخلد اسمه، ومن بين أعماله البارزة فيلم “الكيت كات”، الذي يعتبر أيقونة في مسيرته كونه كان المخرج وكاتب السيناريو.
الكيت كات.. فيلم ناجح جماهيريًا ونقديًا
حقق “الكيت كات” نجاحًا كبيرًا على الصعيدين الجماهيري والنقدي، حيث حصل على جوائز ودخل قوائم أهم الأفلام المصرية، ولم يكن هذا النجاح مصادفة، بل نتيجة لتكامل جميع عناصر الفيلم من ممثلين وإخراج وتصوير وموسيقى، وكل ذلك تحت قيادة مخرج لديه رؤية واضحة وقدرة على توظيف التفاصيل بدقة.
من الأسباب التي جعلت “الكيت كات” علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية هو نجاحه في تحويل رواية أدبية إلى فيلم سينمائي له لغته الخاصة. غالبًا ما تعاني السينما المصرية من مشكلة الاقتباس الحرفي، حيث تتحول الكاميرا إلى مجرد أداة لنقل النص دون التفكير فيه، مما يؤدي إلى فقدان الإيقاع وظهور مشاهد متكدسة، لكن داود عبد السيد لم يفعل ذلك، بل استند إلى رواية “مالك الحزين” لإبراهيم أصلان، وعاملها كمادة خام قابلة لإعادة التشكيل.
لم يكتفِ عبد السيد بسرد الرواية بل ابتكر لها لغة بصرية، مستخدمًا زوايا لقطات قريبة لتوصيل معانٍ محددة، مما جعل الصورة تشارك في السرد بدلاً من أن تكون مجرد ترجمة حرفية. بذلك، خرج فيلم “الكيت كات” كعمل مستقل يمكن مشاهدته دون معرفة الرواية، ومع ذلك يشعر من قرأها بأن جوهرها حاضر، وهذا هو سر نجاحه.

